الإستيقاظ على شكل فراشة
- admin
- قصة شعیرة
الإستيقاظ على شكل فراشة
إلهة رهرونيا (نوشاد)
ترجمة: سارة محمدي
لا أعرف فيما إذا كان شارعا أم مفترق طرق. لقد كان المشهد مزدحما للغاية، لدرجة يصعب معها رؤية ما حوله، جاءت موجات الألوان من الجانبين بكثافة ونعومة، لدرجة أنه كان عليك دفعها بعيدا بكلتا يديك للعبور. تذكرت مرور مجموعات الأسماك الملونة في المياه الدافئة. جاءت الفراشات من كل جانب بالمئات وكانت مجموعات صفراء ووردية وبرتقالية وأرجوانية، معلقة في الفضاء بدلا من الهواء، كما لو كان حفل طبخ الفراشات، كما لو كان هناك الكثير من الأواني الكبيرة المليئة بالفراشات على أسطح المنازل، تُطها وتنضج وتُطلق في الهواء مرارا وتكرارا.
كان من الصعب المشي، لذلك اعتقدت أن الطيران أفضل. أطبقت ساقي وفتحت جناحي في الريح وتبعت الفراشات. كنت واقفا ويدك في جيبك على الجانب الآخر من الساحة. طويل القامة، تتباهى بقوة بصدرك ذي العضلات الغليظة، وتطلب مني بإيمائة من رأسك أن آتي إليك، فوصلت إليك، ووقفت على كتفك مثل ببغاء جاري الذي يقف على كتفه دائما.
“جائعة؟”
أنت سألت. أجبتك:
“نعم.. جائعة وعطشانة”.
“نبيذ أم رحيق؟”
سألت ثانية.
“كلاهما”
قلت لك، ثم أردفت:
“إن لم يكن هناك إزعاج”.
ابتسمت وقدمت شفتيك لي كما لو كنت في عرض مسرحي،وارتشفتُ كلا من النبيذ والرحيق حتى أرتويت.
عندما جاء الليل وضعتني في جيب صدرك، وتسلقت شجرة كبيرة، ونمنا على غصن مائل تحت ضوء القمر. في الصباح، عندما استيقظنا، لم يكن هناك شيء، لا مدينة ولا فراشات، لا شيء. لقد كنت أنت فقط، وشجرة وصحراء لا نهاية لها، كلانا كان خائفا، نظرنا إلى الشجرة، على الأقل كانت أكبر مني ومنك وتعرف أسرارا غير مكتوبة أفضل منا. لكن صمت الشجرة وعنقها الملتوي أخبرنا أن طالعنا كان محملاً على طريق لا نهاية لها. واصلنا السير، قدمك على الأرض وقدمي في الهواء، وكلما ابتعدنا أصبحنا عطشى أكثر فأكثر. شفتيك قد جفت من العطش ولم يعد هناك خمر ولا رحيق. كان أمل في الطريق أكبر من فكرة البقاء، فواصلنا على الرغم من أنه لم تعد هناك حياة في أجسادنا المتعبة. حتى سقطتَ أرضًا، فرفرفت فوق جسدك المنهك والمثقل، بينما كان ذلك السؤال الكبير والمتكرر يمر من بين يدي ويديك كالليل والنهار. أين ذهبت الفراشات؟ وكنتُ أضرب جسدي على كتفيك لأمنعك من السقوط في هاوية الموت أثناء النوم. الآنمرّ علىّ 14 قرنا وما زلت أرفرف فوق كتفيك، على أمل أن تستيقظ من جديد، وأن أزيل الغبار عن وجهك الجميل بأجنحتي الصغيرة.. حتى سقطت يوما ما فراشة على الأرض من سحابة، ثم واحدة أخرى وأخرى.. وبدأ هطول الفراشات كالمطر. حتى أصبح جسدك مغطى بالفراشات، وفي الليل، ذهبنّ جميعا إلى ملجأهن الخفي في أحد الحقول الليلية الشاسعة، وجدت كل منا بتلة أو ورقة تحمل قطرة ندى، فجمعناها كلها وسكبناها واحدة تلو الأخرى في فمك الجاف لإيقاظك، عملنا ذلك 40 عاما ذهابًا وإيابًا، متنا وحيينا 40 مرة ونحن نبحث عن الندى في 40 بحرا و40 جبلا و40 حقلاً، وفي نهاية العام الأربعين أنفجرتَ ضاحكا وتفجر ينبوع النبيذ والرحيق من شفتيك. اجتمعت الفراشات كلها متراقصة فرحة تحت هذا الينبوع العذب، حتى أنا التي كنت مرهقة للغاية، أخرجت وسادتي من جيب صدرك ووضعتها على كتفك بهدوء وغططت في النوم.
إلاهة رهرونيا (نوشاد) كاتبة وشاعرة وناقدة وناشطة سياسية وفنانة إيرانية. تخرجت كمترجمة للغة الإنجليزية. درست التصميم الداخلي والتمثيل والرسم والتصوير. صدرت أوّل مجموعة شعرية لها في العام 2001، ثم تبعها 14 كتابًا في الشعر والقصة والسيناريو وعشرات المقالات النقدية في المسرح والسينما والرسوم المتحركة.